کسوة الکعبة..صناعة إسلامیة وحضارة متجددة
فى مثل هذه الأیام، من کل عام، ینسج بالحریر، وبالذهب والفضة یُطعم، وبآیات من الوحى الکریم یُزین رداء الکعبة المشرفة، لتستقبل القبلة وجوهًا جدیدة من حجاج بیت الله الحرام، بثوب جدید، یلامس ما یعودون به من رحلة الحج، أنقیاء کیوم ولدتهم أمهاتهم.
700 کلیوغرام حریر خالص و120 کغ أسلاک الذهب و22 ملیون ریال تکلفة سنویة
وطوال عام کامل، یعکف عشرات المتخصصین المختارین بعنایة، فى "مصنع کسوة الکعبة المشرفة"، على العمل لحیاکة الرداء الأسود، الذى یستهلک 700 کیلوغرام من الحریر الخالص، و120 کغ من أسلاک الذهب، و25 کغ من أسلاک الفضة، وتصل تکلفة صناعة الکسوة إلى أکثر من 22 ملیون ریال سنویاً.
مراسم کسوة الکعبة
ویبدأ تقلید الکسوة مع بدایة شهر ذى الحجة من کل عام؛ حیث یتم تسلیم کبیر سدنة الکعبة المشرفة الکسوة الجدیدة، فى مراسم تلیق بهذا الحدث الإسلامى الرفیع؛ لیتم فى فجر یوم التاسع من شهر ذى الحجة إنزال الکسوة القدیمة عن الکعبة، وإلباسها الکسوة الجدیدة، ویستمر العمل فیها حتى صلاة العصر من الیوم ذاته، فیما تعود الکسوة القدیمة إلى مستودع المصنع للاحتفاظ بها، أو لإهدائها لشخصیات سیاسیة ودینیة بارزة فى العالم الإسلامى.
مصنع الکسوة
ویعود تاریخ إنشاء مصنع لکسوة الکعبة المشرفة، إلى عبد العزیز آل سعود عام 1928، إلى أن تم تجدیده وافتتح بأم الجود فى مکة المکرمة حیث مقره الحالى عام 1977.
ویعمل فى مصنع کسوة الکعبة المشرفة أکثر من 240 صانعاً وإداریاً، موزعین على أقسام المصنع المزودة بآلات حدیثة ومتطورة فى عملیات الصباغة والنسج والطباعة والتطریز والخیاطة.
ویتکوّن المصنع من عدة أقسام تعمل جمیعاً على إتمام دورة صنع رداء الکعبة، وهى: الحزام، وخیاطة الثوب، والمصبغة، والطباعة، والنسیج الآلى والیدوى، وتجمیع الکسوة، کما أن هناک بعض الأقسام المساندة مثل: المختبر، والخدمات الإداریة والصحیة للعاملین بالمصنع.
وتعد الصباغة أولى مراحل إنتاج الکسوة بالمصنع، حیث یزود قسم الصباغة بأفضل أنواع الحریر الطبیعى الخالص فى العالم، ویتم تأمینه على هیئة شلل خام، وهى عبارة عن خیوط مغطاة بطبقة من الصمغ الطبیعى تسمى "سرسین" تجعل لون الحریر یمیل إلى الاصفرار، ویتم استیراده من إیطالیا.
ویضم مصنع کسوة الکعبة أکبر ماکینة خیاطة فى العالم من ناحیة الطول؛ حیث یبلغ طولها 16 متراً، وتعمل بنظام الحاسب الآلى.
ویعتبر المصنع المعلم الحضارى الإسلامى التاریخى النموذجى والفرید من نوعه فى العالم، والذى تفرد بصناعة أفضل رداء، لیرتبط بأفضل بیت على وجه الأرض.
الکسوة الحریریة
الکسوة الحریریة المصبوغة باللون الأسود، مبطنة من الداخل بقماش من القطن الأبیض المتین، ویتم استبدالها باستخدام سلم کهربائى یثبت على قطع الکسوة القدیمة من على واجهاتها الأربع، ثم تثبت القطع فى 47 عروة معدنیة موجودة فى کل جانب، ومثبتة فى سطح الکعبة، لیتم بعد ذلک فک حبال الکسوة القدیمة ووضع الکسوة الجدیدة مکانها.
وفى موسم الحج یرفع کساء الکعبة المبطن بالقماش الأبیض، وذلک لکى لا یقوم بعض الحجاج والمعتمرین بقطع الثوب بالأمواس والمقصات للحصول على قطع صغیرة طلباً للبرکة أو الذکرى أو نحو ذلک.
ویرتفع الثوب 14 متراً، ویوجد فى الثلث الأعلى من الکسوة حزام مطرز بالذهب والفضة کتب علیه آیات قرآنیة بالخط الثلث المرکب، محاطة بإطار من الزخارف الإسلامیة، ویبلغ طوله 45 متراً، ویتألف من 16 قطعة، ویوجد تحت الحزام على الأرکان سورة الإخلاص مکتوبة داخل دائرة محاطة بشکل مربع من الزخارف الإسلامیة.
نقوش بطریقة الجارکارد
ویوجد على الکسوة من الخارج نقوش منسوجة بخیوط النسیج السوداء (بطریقة الجاکارد)، مکتوب علیها: "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، و"سبحان الله وبحمده"، و"سبحان الله العظیم"، و"یا حنان یا منان یا الله"، وتتکرر هذه العبارات على قطع قماش الکسوة جمیعها، وعلى ارتفاع تسعة أمتار من الأرض، وبعرض 95 سنتیمتراً، بحیث یثبت حزام الکعبة المشرفة، وتستبدل مرة کل عام، بینما کسوتها الداخلیة ذات اللون الأخضر لا تستبدل إلا على فترات متباعدة حسبما تدعو إلیه الحاجة؛ لعدم تعرضها للعوامل الجویة.
